فصل: من لطائف وفوائد المفسرين:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.من لطائف وفوائد المفسرين:

.من لطائف القشيري في السورة الكريمة:

قال عليه الرحمة:
سورة المنافقون:
قوله جل ذكره: (بسم الله الرحمن الرحيم)
(بسم الله) اسم من تحقق به صدق في أقواله، ثم صدق في أعماله، ثم صدق في أخلاقه ثم صدق في أحواله، ثم صدق في أنفاسه، فصدقه في القول إألا يقول إلا عن برهان، وصدقه في العمل ألا يكون للبدعة عليه سلطان، وصدقه في الأخلاق إلا يلاحظ إحسانه مع الكافة بعين النقصان، وصدفة في الأحوال أن يكون على كشف وبيان، وصدقه في الأنفاس ألا يتنفس إلا على وجود كالعيان.
قوله جل ذكره: {إِذا جاءك المُنافِقُون قالوا نشْهدُ إِنّك لرسُولُ اللّهِ واللّهُ يعْلمُ إِنّك لرسُولُهُ واللّهُ يشْهدُ إِنّ المُنافِقِين لكاذِبُون}.
كذّبهم فيما قالوا وأظهروا، ولكنهم لم يشهدوا عن بصيرة ولم يعتقدوا تصديقك، فهم لم يكذبوا في الشهادة ولكنّ كِذْبهم في قولهم: إنّهم مخلصون لك، مُصدِّقون لك. فصِدْقُ القالة لا ينفع مع قُبْح الحالة.
ويقال: الإيمان ما يوجِبُ الأمان؛ فالإيمانُ يوجِبُ للمؤمن إذا كان عاصيا خلاصه من العذاب أكثره وأقّله.. إلاّ ما ينقله من أعلى جهنم إلى أسفلها.
قوله جل ذكره: {اتّخذُواْ أيْمانهُمْ جُنّة فصدُّواْ عن سبِيلِ اللّهِ إِنّهُمْ ساء ما كانُواْ يعْملُون} تستّرُوا بإقرارهم، وتكشّفوا بنفاقهم عن أسْتارِهم فافتضحوا، وذاقوا وبال أحوالهم.
قوله جل ذكره: {ذلِك بِأنّهُمْ ءامنُواْ ثُمّ كفرُواْ فطُبِع على قُلُوبِهِمْ فهُمْ لا يفْقهُون}.
استضاؤوا بنورِ الإجابة فلم ينْبسِطْ عليهم شعاعُ السعادة، فانطفأ نورُهم بقهرِ الحرمان، وبقوا في ظلمات القسمة السابقة بحُكْم الشقاوة.
قوله جل ذكره: {وإِذا رأيْتُهمْ تُعْجِبُك أجْسامُهُمْ وإِن يقولواْ تسْمعْ لِقولهِمْ كأنّهُمْ خُشُبٌ مُّسنّدةٌ يحْسبُون كُلّ صيْحةٍ عليِْهِمْ هُمُ الْعدُوُّ فاحْذرْهُمْ قاتلهُمُ اللهُ أنّى يُؤْفكُون}.
أي هم أشباحٌ وقوالبٌ وليس وراءهم ألبابٌ وحقائق- فالجوزُ الفارغُ مُزيّنٌ ظاهِرُه ولكنه للعب الصبيان.
{يحْسبُون كُلّ صيْحةٍ عليْهِمْ} وذلك لِجُبْنِهم؛ إذ ليس لهم انتعاشٌ بربِّهم، ولا استقلالٌ بغيرهم.
{هُمُ الْعدُوُّ فاحْذرْهُمْ} هم عدوٌّ لك- يا محمد- فاحْذرْهم، ولا يغُرّنْك تبسُّطُهم في الكلام على وجهِ التودُّدِ والتقرُّب.
قوله جل ذكره: {وإِذا قِيل لهُمْ تعالوْا يسْتغْفِر لكُمْ رسُولُ اللّهِ لوّوْا رُءُوسهُمْ ورأيْتهُمْ يصُدُّون وهُم مُّسْتكْبِرُون}.
سمعوا إلى ما يقال لهم على وجه التكبُّر، وإظهار الاستغناء عن استغفارك لهم.. فخلِّ سبيلهم؛ فليس للنُّصح فيهم مساغٌ، ولن يُصْحِيهم من سكْرتهم إلاّ حرُّ ما سيلقونه من العقوبة، فما دام الإصرارُ من جانبهم فإنهم: {سواءٌ عليْهِمْ أسْتغْفرْت لهُمْ أمْ لمْ تسْتغْفِرْ لهُمْ لن يغْفِر اللهُ لهُمْ إِنّ الله لا يهْدِى القوْم الْفاسِقِين}. فقد سبق العِلْمُ بذلك.
قوله جل ذكره: {هُمُ الّذِين يقولون لا تُنفِقُواْ على منْ عِند رسُولِ اللّهِ حتّى ينفضُّواْ ولِلّهِ خزآئِنُ السّماواتِ والأرْضِ ولكِنٍّ الْمُنافِقِين لا يفْقهُون}.
كأنهم مربوطون بالأسباب، محجوبون عن شهود التقدير، غيرُ متحقِّقين بتصريف الأيام، فأنْطقهُم بما خامر قلوبهم مِنْ تمنِّي انطفاء نورِ رسول الله، وانتكاث شمْلِهم، فتواصوْا فيما بينهم بقولهم: {لا تُنفِقُواْ على منْ عِند رسُولِ اللّهِ} فقال تعالى: {ولِلّهِ خزآئِنُ السّماواتِ}.
وليس استقلالُك- يا محمد- ولا استقلالُ أصحابِك بالمرزوقين.. بل بالرازق؛ فهو الذي يمسككم.
قوله جل ذكره: {يقولون لئِن رّجعْنآ إِلى الْمدِينةِ ليُخْرِجنّ الأعزُّ مِنْها الأذلّ ولِلّهِ الْعِزّةُ ولِرسُولِهِ ولِلْمُؤْمِنِين ولكِن الْمُنافِقِين لا يعْلمُون}.
إنما وقع لهم الغلطُ في تعيين الأعزِّ والأذلِّ؛ فتوهّموا أنّ الأعزّ هم المنافقون، والأذلّ هم المسلمون، ولكن الأمر بالعكس، فلا جرم غلب الرسولُ صلى الله عليه وسلم والمسلمون، وأُذِلّ المنافقون بقوله: {ولِلّهِ الْعِزّةُ ولِرسُولِهِ ولِلْمُؤْمِنِين}: لله عِزُّ الإلهية، وللرسول عِزُّ النبوّة، وللمؤمنين عِزُّ الولاية. وجيمعُ ذلك لله؛ فعِزُّه القديم صِفتُه، وعِزُّ الرسولِ وعِزُّ المؤمنين له فِعْلا ومِنّة وفضْلا، فإذا لله العِزّةُ جميعا.
ويقال: كما انّ عِزّة الله- سبحانه- لا زوال لها فعِزّة الأنبياء بأن لا عزْل لهم، وعِزّةُ المؤمنين بألا يبْقى منهم مُخلّدٌ في النار.
ويقال: منْ كان إيمانُهم حقيقيا فلا زوال له.
ويقال: منْ تعزّز بالله لم يلحقه تغيُّرٌ عن حاله بغير الله.
ويقال: لا عِزّ إلاّ في طاعةِ الله، ولا ذُلّ إلاّ في معصية الله... وما سوى هذا فلا أصل له.
قوله جل ذكره: {يا أيُّها الّذِين ءامنُوا لا تُلْهِكُمْ أمْوالُكُمْ ولآ أوْلادُكُمْ عن ذِكْرِ اللّهِ ومن يفْعلْ ذلِك فأُوْلئِك هُمُ الخاسِرُون}.
لا تُضيِّعوا أمور دينكم بسبب اموالكم وأولادكم بل آثروا حقّ الله، واشْتغِلوا به يكْفِكُم أمور دنياكم وأولادكم؛ فإذا كُنْت لله كان اللّهُ لك.
ويقال: حقُّ الله مما ألزمك القيام به، وحقُّك ضمن لك القيام به؛ فاشتغِلْ بما كُلِّفْت لا بما كُفِيت.
قوله جل ذكره: {وأنفِقُواْ مِن مّا رزقْناكُم مِّن قبْلِ أن يأْتِى أحدكُمُ الْموْتُ فيقول ربِّ لوْلا أخّرتنِى إلى أجلٍ قرِيبٍ فأصّدّق وأكُن مِّن الصّالِحِين}.
لا تغْترُّوا بسلامةِ أوقاتِكم، وترقّبوا بغتاتِ آجالِكم، وتأهّبوا لما بين أيديكم من الرحيل، ولاتُعرِّجوا في أوطان التسويف. اهـ.

.قال ابن القيم:

قوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا لا تلهكم أموالكم ولا أولادكم عن ذكر الله}
والمقصود أن دوام الذكر لما كان سببا لدوام المحبة وكان الله سبحانه احق بكمال الحب والعبودية والتعظيم والاجلال كان كثرة ذكره من انفع ما للعبد وكان عدوه حقا هو الصاد له عن ذكر ربه وعبوديته ولهذا أمر الله سبحانه بكثرة ذكره في القرآن وجعله سببا للفلاح فقال تعالى: {واذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحون} (الجمعة 10)
وقال تعالى: {يا أيها الذين آمنوا اذكروا الله ذكرا} (الجمعة 41)
وقال تعالى: {والذاكرين الله كثيرا والذاكرات} (الأحزاب 35)
وقال تعالى: {يا أيها الذين آمنوا لا تلهكم اموالكم ولا اولادكم عن ذكر الله ومن يفعل ذلك فأولئك هم الخاسرون} (المنافقون 9)
وقال تعالى: {فاذكروني اذكركم} [البقرة 152]
وقال النبي «سبق المفردون» قالوا يا رسول الله وما المفردون قال «الذاكرون الله كثيرا والذاكرات».
وفي الترمذي عن أبي الدرداء رضي الله عنه عن النبي انه قال «ألا أدلكم على خير اعمالكم وازكاها عند مليككم وارفعها في درجاتكم وخير لكم من انفاق الذهب والورق وخير لكم من أن تلقوا عدوكم فتضربوا أعناقهم ويضربوا أعناقكم قالوا بلى يا رسول الله قال ذكر الله تعالى» إسناده صحيح وهو في الموطأ موقوف على أبي الدرداء.
قال معاذ بن جبل ما عمل آدمي عملا انجى له من عذاب الله من ذكر الله وذكر رسوله تبع لذكره.
والمقصود أن دوام الذكر سبب لدوام المحبة فالذكر للقلب كالماء للزرع بل كالماء للسمك لا حياة له إلا به.
وهو أنواع ذكره بأسمائه وصفاته والثناء عليه بها.
الثاني تسبيحه وتحميده وتكبيره وتهليله وتمجيده والغالب من استعمال لفظ الذكر عند المتأخرين هذا.
الثالث ذكره بأحكامه واوامره ونواهيه وهو ذكر العالم بل الانواع الثلاثة هي ذكرهم لربهم.
ومن افضل ذكره ذكره بكلامه.
قال تعالى: {ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى} [طه 124] فذكره هنا كلامه الذي انزله على رسوله.
وقال تعالى: {الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله ألا بذكر الله تطمئن القلوب}. اهـ.

.من فوائد الجصاص في السورة الكريمة:

قال رحمه الله:
ومِنْ سُورةِ الْمُنافِقِين:
بِسْمِ اللّهِ الرّحْمنِ الرّحِيمِ
قال الله تعالى: {إذا جاءك الْمُنافِقُون قالوا نشْهدُ إنّك لرسُولُ اللّهِ} إلى قولهِ: {اتّخذُوا أيْمانهُمْ جُنّة فصدُّوا عنْ سبِيلِ اللّهِ}
قال أبُو بكْرٍ: هذا يدُلُّ على أنّ قولهُ: (أشْهدُ) يمِينٌ؛ لِأنّ الْقوْم قالوا: {نشْهدُ} فجعلهُ اللّهُ يمِينا بِقولهِ: {اتّخذُوا أيْمانهُمْ جُنّة} وقدْ اخْتلف الْفُقهاءُ فِي ذلِك، فقال أصْحابُنا والثّوْرِيُّ والْأوْزاعِيّ: أشْهدُ وأُقْسِمُ وأعْزِمُ وأحْلِفُ كُلُّها أيْمانٌ. وقال زُفرُ: إذا قال: أُقْسِمُ لأفْعلنّ، فهُو يمِينٌ، ولوْ قال: أشْهدُ لأفْعلنّ لمْ يكُنْ يمِينا. وقال مالِكٌ: إنْ أراد بِقولهِ أُقْسِمُ أيْ أُقْسِمُ بِاللّهِ فهُو يمِينٌ وإِلّا فلا شيْء وكذلِك أحْلِفُ. قال: ولوْ قال: أعْزِمُ لمْ يكُنْ يمِينا إلّا أنْ يقول: أعْزِمُ بِاللّهِ، ولوْ قال: عليّ نذْرٌ أوْ قال: نذْرٌ لِلّهِ، فهُو على ما نوى، وإِنْ لمْ تكُنْ لهُ فكفّارتُهُ كفّارةُ يمِينٍ. وقال الشّافِعِيُّ: أُقْسِمُ ليْس بِيمِينٍ وأُقْسِمُ بِاللّهِ يمِينٌ إنْ أرادها، وإِنْ أراد الْموْعِد فليْستْ بِيمِينٍ، وأشْهدُ بِاللّهِ إنْ نوى الْيمِين فيمِينٌ، وإِنْ لمْ ينْوِ يمِينا فليْستْ بِيمِينٍ، وأعْزِمُ بِاللّهِ إنْ أراد يمِينا فهُو يمِينٌ. وذكر الرّبِيعُ عنْ الشّافِعِيِّ: إذا قال: أُقْسِمُ أوْ أشْهدُ أوْ أعْزِمُ ولمْ يقُلْ: بِاللّهِ فهُو كقولهِ: واللّهِ، وإِنْ قال: أحْلِفُ بِاللّهِ فلا شيْء عليْهِ إلّا أنْ ينْوِي الْيمِين. قال أبُو بكْرٍ: لا يخْتلِفُون أنّ (أشْهدُ بِاللّهِ) يمِينٌ فكذلِك (أشْهدُ) مِنْ وجْهيْنِ:
أحدِهِما: أنّ اللّه حكى عنْ الْمُنافِقِين أنّهُمْ قالوا: {نشْهدُ إنّك لرسُولُ اللّهِ} ثُمّ جعل هذا الْإِطْلاق يمِينا مِنْ غيْرِ أنْ يُقْرِنهُ بِاسْمِ اللّهِ، وقال تعالى: {فشهادةُ أحدِهِمْ أرْبعُ شهاداتٍ بِاللّهِ} فعبّر عنْ الْيمِينِ بِالشّهادةِ على الْإِطْلاقِ.
والثّانِي: أنّهُ لمّا أخْرج ذلِك مخْرج الْقسمِ وجب أنْ لا يخْتلِف حُكْمُهُ فِي حذْفِ اسْمِ اللّهِ تعالى وفِي إظْهارِهِ، وقدْ ذكر اللّهُ تعالى الْقسم فِي كِتابِهِ فأظْهر تارة الِاسْم وحذفهُ أُخْرى والْمفْهُومُ بِاللّفْظِ فِي الْحاليْنِ واحِدٌ بِقولهِ: {وأقْسمُوا بِاللّهِ جهْد أيْمانِهِمْ} وقال فِي موْضِعٍ آخر: {إذْ أقْسمُوا ليصْرِمُنّها مُصْبِحِين} فحذفهُ تارة اكْتِفاء بِعِلْمِ الْمُخاطبِين بِإِضْمارِهِ وأظْهرهُ أُخْرى، وروى الزُّهْرِيُّ عنْ عُبيْدِ اللّهِ بْنِ عبْدِ اللّهِ بْنِ عُتْبة عنْ ابْنِ عبّاسٍ أنّ أبا بكْرٍ عبر عِنْد النّبِيِّ صلى الله عليه وسلم رُؤْيا، فقال النّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «أصبْت بعْضا وأخْطأْت بعْضا» فقال أبُو بكْرٍ: أقْسمْت عليْك يا رسُول اللّهِ لتُخْبِرنِي، فقال رسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: «لا تُقْسِمْ» ورُوِي أنّهُ قال: {واللّهِ لتُخْبِرنِّي} فجعل النّبِيُّ صلى الله عليه وسلم قولهُ: (أقْسمْت عليْك) يمِينا؛ فمِنْ النّاسِ منْ يكْرهُ الْقسم لِقولهِ: «لا تُقْسِمْ» ومِنْهُمْ منْ لا يرى بِهِ بأْسا وأنّهُ إنّما قال: «لا تُقْسِمْ»؛ لِأنّ عِبارة الرُّؤْيا ظنٌّ قدْ يقعُ فِيها الْخطأُ، وهذا يدُلُّ أيْضا على أنّهُ ليْس على منْ أقْسم عليْهِ غيْرُهُ أنْ يبرّ قسمهُ؛ لِأنّهُ صلى الله عليه وسلم لمْ يُخْبِرْهُ لمّا أقْسم عليْهِ لِيُخْبِرهُ، ويدُلُّ أيْضا على أنّ منْ علِم تأْوِيل رُؤْيا فليْس عليْهِ الْإِخْبارُ بِها؛ لِأنّهُ صلى الله عليه وسلم لمْ يُخْبِرْ بِتأْوِيلِ هذِهِ الرُّؤْيا وروى هِشامُ بْنُ سعْدٍ عنْ زيْدِ بْنِ أسْلم عنْ أبِيهِ قال: كان أبُو بكْرٍ قدْ اسْتعْمل عُمر على الشّامِّ، فلقدْ رأيْتنِي وأنا أشُدُّ الْإِبِل بِأقْتابِها، فلمّا أراد أنْ يرْتحِل قال لهُ النّاسُ: تدعُ عُمر ينْطلِقُ إلى الشّامِ؟ واللّهِ إنّ عُمر ليكْفِيك الشّام وهُو هاهنا قال: أقْسمْت عليْك لمّا أقمْت ورُوِي عنْ ابْنِ عبّاسٍ أنّهُ قال لِلْعبّاسِ فِيما خاصم فِيهِ علِيّا مِنْ أشْياء تركها رسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم بِإِيثارِهِ: أقْسمْت عليْك لمّا سلّمْته لِعلِيٍّ.
وقدْ روى الْبراءُ قال: أمرنا رسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم بِإِبْرارِ الْقسمِ، وهذا يدُلُّ على إباحةِ الْقسمِ وأنّهُ يمِينٌ، وهذا على وجْهِ النّدْبِ؛ لِأنّهُ صلى الله عليه وسلم لمْ يبرّ قسم أبِي بكْرٍ لمّا قال: (أقْسمْت عليْك) وعنْ ابْنِ مسْعُودٍ وابْنِ عبّاسٍ وعلْقمة وإِبْراهِيم وأبِي الْعالِيةِ والْحسنِ: الْقسمُ يمِينٌ وقال الْحسنُ وأبُو الْعالِيةِ: أقْسمْت وأقْسمْت بِاللّهِ سواءٌ.
بابُ منْ فرّط فِي زكاةِ مالِهِ:
قال الله تعالى: {وأنْفِقُوا مِمّا رزقْناكُمْ مِنْ قبْلِ أنْ يأْتِي أحدكُمْ الْموْتُ} الْآية روى عبْدُ الرّزّاقِ قال: حدّثنا سُفْيانُ عنْ أبِي حبّابٍ عنْ أبِي الضُّحى عنْ ابْنِ عبّاسٍ عنْ النّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قال: «منْ كان لهُ مالٌ تجِبُ فِيهِ الزّكاةُ ومالٌ يُبْلِغُهُ بيْت اللّهِ ثُمّ لمْ يحُجّ ولمْ يُزكِّ سأل الرّجْعة»، وتلا قوله تعالى: {وأنْفِقُوا مِمّا رزقْناكُمْ} الْآية؛ وقدْ رُوِي ذلِك موْقُوفا على ابْنِ عبّاسٍ إلّا أنّ دلالة الْآيةِ ظاهِرةٌ على حُصُولِ التّفْرِيطِ بِالْموْتِ؛ لِأنّهُ لوْ لمْ يكُنْ مُفرِّطا ووجب أداؤُها مِنْ مالِهِ بعْد موْتِهِ لكانتْ قدْ تحوّلتْ إلى الْمالِ فلزِم الْورثة إخْراجُها، فلمّا سأل الرّجْعة علِمْنا أنّ الْأداء فائِتٌ وأنّهُ لا يتحوّلُ إلى الْمالِ ولا يُؤْخذُ مِنْ ترِكتِهِ بعْد موْتِهِ إلّا أنْ يتبرّع بِهِ الْورثةُ. آخِرُ سُورةِ الْمُنافِقِين. اهـ.